-
التفصيل في حكم تحية المسجد، وصلاتها في أوقات النهي
عدد الزيارات :
-
حكم تحية المسجد، هل هي من ذوات الأسباب؟ وهل تؤدى في أوقات النهي؟
-
نعم، تحية المسجد من ذوات الأسباب، قال -عليه الصلاة السلام-: (إذا دخل أحدكم المسجد؛ فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)؛ ولكن اختلف العلماء: هل تؤدى تحية المسجد في وقت النهي أو لا تؤدى؟؛ فجمهور العلماء: على أنها لا تؤدى، أكثر العلماء: على أن الإنسان لا يفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ لا سنة الوضوء، ولا تحية المسجد، ولا سجدة التلاوة، ولا صلاة الجنازة، فلا يفعل شيئا أبدا، قالوا: لأن أحاديث النهي أصح وأكثر، فهي في الصحيحين، فهي أصح من الأحاديث التي يستدلون بها على فعل ذوات الأسباب؛ قالوا: ومنها: قوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، وهذا في الصحيحين؛ فيقول الجمهور: نأخذ بها، فإذا جئت ودخلت المسجد فاجلس، ولا تسجد للتلاوة وقت النهي؛ لأن أحاديث النهي أصح وأكثر، وأكثر أهل العلم على هذا؛ وهم الجمهور. والقول الثاني لأهل العلم -وهو اختيار بعض المحققين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وهو المعمول به الآن-: أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي؛ لأن أحاديث النهي دخلها التخصيص، وإذا كان دخلها التخصيص دل على أن بقية ذوات الأسباب تفعل؛ مثل تحية المسجد، فإذا دخلت المسجد فصل ركعتين، ومثل سنة الوضوء، إذا توضأت فصل سنة الوضوء، ومثل سجدة التلاوة تسجد، ومثل صلاة الجنازة؛ صلها، ومثل صلاة الكسوف؛ فإذا كسفت الشمس فصل، ومثل إعادة الجماعة، فإذا ذهبت إلى مسجد آخر بعد العصر أو بعد الفجر ووجدتهم يصلون فصل معهم؛ إعادة، وهذا في غير أوقات النهي الضيقة القصيرة، أما في أوقات النهي الضيقة القصيرة فلا تفعل شيئا، وأوقات النهي خمسة بالبسط وثلاثة بالاختصار؛ بالاختصار: من بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس، وقبيل الظهر حتى تزول، وأما بالبسط فاثنان طويلان، وثلاثة ضيقة: اثنان طويلان: بعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب، يعني: حتى يقرب الغروب، هذا وقت طويل فتفعل فيه ذوات الأسباب، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، هذا تفعل فيه ذوات الأسباب. وأما أوقات النهي الضيقة فهي: إذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب، وذلك عشر دقائق، أو ربع ساعة، وإذا طلعت الشمس حتى ترتفع، وذلك عشر دقائق، أو ربع ساعة، وإذا وقفت الشمس قبيل الظهر حتى تزول، وذلك عشر دقائق أو ربع ساعة، وربع ساعة أثبت، فهذه الأوقات القصيرة ليس فيها صلاة، ولا دفن موتى أيضا، فقد ثبت في صحيح مسلم: عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا)، والمراد بالساعة: الجزء من الزمن، وليس المراد بالساعة التي نعرفها الآن، إذا جاءت الساعة في عرف الشارع فالمراد بها: الجزء من الزمن؛ وقد يكون طويلا وقد يكون قصيرا، ومن ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن مكة حرمها الله، وإنما أحلت لي ساعة من نهار)، والساعة هذه: من الضحى إلى بعد العصر، فسماها ساعة، وهي: جزء من الزمن، وكذلك ساعات الجمعة، (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة أو بقرة)، ويوجد خمس ساعات قبل دخول الخطيب، والإمام يدخل في الساعة السادسة، هذه الساعة من بعد طلوع الشمس أو طوع الفجر، تكون طويلة في الصيف، فتكون ساعة ونصف يمكن، وهذه الساعة والنصف تقريبا هي الساعة الأولى التي من حضر فيها: فكأنما قرب بقرة، وفي الشتاء قصيرة؛ تكون أقل من ساعة؛ فقد تكون هذه الساعة -إذا جاءت ليس المراد بها الساعة الستون دقيقة التي نعرفها، لا، وإنما الجزء من الزمن- قد يكون قليلا وقد يكون كثيرا، قد يكون خمس ساعات الجزء، وقد يكون ساعة، وقد يكون أقل، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ثلاث ساعات)، يعني: أجزاء من الزمن، نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب)، فهذه الساعات الضيقة ليس فيها صلاة ولا دفن موتى، فإذا أردت أن تدفن الميت عند غروب الشمس أو عند الظهر أو عند طلوع الشمس فعليك أن تقف؛ قف عند الغروب حتى تغرب، وقف عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وقف عند الظهر حتى تميل للغروب. وكذلك الصلاة: إذا أتيت فقف أو اجلس، فإذا دخلت المسجد وبقي عشر دقائق على أذان الظهر أو المغرب فقف أو اجلس، وليس هناك صلاة ولا دفن موتى، فهو وقت ضيق؛ لأن الكفار يسجدون للشمس عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ فلا يشابههم المسلم. مداخلة: أحسن الله إليكم يا شيخ، حكمها في غير أوقات النهي -تحية المسجد-؟ الشيخ: تحية المسجد في غير أوقات النهي، وفي أوقات النهي؛ فيها خلاف: جمهور العلماء: على أنها مستحبة وليست واجبة، والجمهور أكثر العلماء، واستدلوا بالأحاديث التي فيها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: (خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهن الله على العباد)، قالوا: ليس هناك واجبة إلا خمس صلوات، وهذه زائدة عن الخمس، وفيه: الرجل الذي جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وسأله عن الصلاة، فأخبره أنها خمس صلوات، وعن الزكاة فقال: (هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تتطوع)؛ فدل على أنها ليست واجبة. وذهب الظاهرية: إلى أنها واجبة لسبب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن الصلوات الواجبة في اليوم والليلة؛ لكن هذه واجبة بسبب؛ فلها سبب وهو دخول المسجد، وهذه واجبة لها سبب وهو كسوف الشمس، وهذه واجبة بسبب مثل الصلاة على الميت، قالوا: هذه واجبات؛ لكن لها أسباب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن الواجبات التي ليس لها سبب، وإنما التي تعم الناس كلهم، فهذا مذهب الظاهرية وجماعة؛ فيرون أنها واجبة تحية المسجد، والجمهور: على أنها سنة.